کد مطلب:323819 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:309

و شهادة د. بنت الشاطی ء
و یقدم لنا الاستاذ سید قطب بعد ذلك شهادة الطبیبة التی تحدثت عنها الدكتورة عائشة عبدالرحمن «بنت الشاطی ء» بعنوان «جنس ثالث فی طریقه الی الظهور» من مشاهداتها فی «فیینا»: «.. و شاءت الظروف أن أذهب فی عطلة الأحد، لزیارة صدیقة لی طبیبة باحدی ضواحی «فیینا» - بعد أسبوع مرهق قضیناه بین أوراق البردی العربیة فی دار الكتب - و كنت أحسب أن یوم الأحد هو أنسب وقت لمثل تلك الزیارة. فما كان أشد عجبی، حین فتحت لی صدیقتی باب بیتها معجلة، و فی یدها «بطاطس» تقشره. ثم قادتنی فی لطف الی مطبخها لنأخذ مجلسنا هناك.

و لم یغب عنها ما شعرت به من دهشة، فابتدرتنی قائلة:

ما كنت تتوقعین هذا المنظر: طیبة فی المطبخ، یوم الأحد!
قالت ضاحكة: «أما العمل یوم الأحد فربما فهمته. و أما اشتغالك بالطبخ مع ما أعرفه من ارهاق مهنتك، فهذا ما لم أنتظره..

فردت: «لو عكست لكنت أقرب الی الصواب، فالعمل فی عطلة الأحد هو المستغرب عندنا. لولا أنه فرصتی الوحیدة لكلی أقف هنا حیث ترین. و أما اشتغالی بالمطبخ، فلعلی لم اتجاوز به نطاق مهنتی. اذ هو من نوع العلاج لحالة قلق أعانیها و تعانیها معی سیدات أخریات من المشتغلات بالأعمال العامة.

«و لما سألتها عن سر هذا القلق - مع استقرار الوضع الاجتماعی للمرأة الغربیة - أجابت بأن ذلك القلق، لا صلة له بمتاعب الانتقال المفروضة علی جیل الطلیعة من نساء الشرق! و انما هو صدی شعور ببدء تطور جدید یتوقع حدوثه علماء الاجتماع و الفسیولوجیا و البیولوجیا فی المرأة العاملة، و ذلك لما لحظوا من تغیر بطی ء فی كیانها، لم یثر الانتباه أول الأمر، لولا ما سجلته الاحصاءات من اطراد النقص فی الموالید بین العلامات. و كان المظنون أن هذا النقص اختیاری محض و ذلك لحرص المرأة العاملة علی التخفف من أعباء الحمل و الوضع و الارضاع، تحت ضغط الحاجة و الاستقرار فی العمل. و لكن ظهر من استقراء الاحصاءات أن نقص الموالید للزوجات العاملات، لم یكن أكثره عن اختیار، بل عن عقم استعصی علاجه. و بفحص نماذج شتی منوعة من حالات العقم اتضح أنه فی الغالب لا یرجع الی عیب عضوی ظاهر. مما دعا العلماء الی افتراض تغیر طاری ء علی كیان الأنثی العاملة نتیجة لانصرافها المادی و الذهنی و العصبی - عن قصد أو غیر قصد - مشاغل الأمومة، و دنیا حواء، و تشبثها بمساواة الرجل، و مشاركته فی میدان عمله.

«و استند علماء الاحیاء فی هذا الفرض - نظریا - الی قانون طبیعی معروف، و هو ان «الوظیفة تخلق العضو» و معناها فیما نحن فیه أن وظیفة الأمومة هی التی خلقت فی حواء خصائص ممیزة للأنوثة، لا بد أن تضمر تدریجیا بانصراف المرأة عن وظیفة الأمومة و اندماجها فیما نسمیه «عالم الرجل».
«ثم تابع العلماء هذا الفرض، فاذا التجارب تؤیده الی أبعد مما كان منتظرا، و اذا بهم یعلنون - فی اطمئنان مقرون بشی ء من التحفظ - عن قرب ظهور «جنس ثالث» تضمر فیه خصائص الأنوثة التی رسختها الممارسة الطویلة لوظیفة حواء. «و ثارت اعتراضات.. منها: أن كثرة العاملات ینفرن من العقم و یشتهین الولد. و منها: أن المجتمع الحدیث یعترف بالعاملة الأم و یحمی حقها فی العمل، و یتیح لها بحكم القانون، فرصة الجمع بین شواغل الأمومة و واجبات العمل. و منها: أن عهد المرأة بالخروج من دنیاها الخاصة لا یتعدی بضعة أجیال، علی حین یبلغ عمر خصائص الانوثة فیها ما لا یحصی من دهور و أحقاب.

«و كان الرد علی هذه الاعتراضات: أن اشتهاء الزوجة العاملة للولد یخالطه دائما الخوف من أعباثه، و الاشفاق من أثر هذه الأعباء علی طمأنینة مكانها فی محل العمل. ثم ان الاعتراف بالعاملة الأم قلما یتم الا فی حدود ضیقة، و تحت ضغط القانون. و ما أكثر ما یجد أصحاب العمل فرصتهم لتفضیل غیر الأمهات. و أما قصر عهد المرأة بالخروج، فیرد علیه بأن هذا الخروج - علی قرب العهد به - قد صحبه تنبه حاد الی المساواة بالرجل، و اصرار عنید علی التشبه به، مما عجل ببوادر التغییر، لعمق تأثیر فكرة المساواة علی أعصاب المرأة وقوة رسوخها فی ضمیرها.

«و ما یزال المهتمون بهذا الموضوع، یرصدون التغیرات الطارئة علی كیان الأنثی، و یستقرثون فی اهتمام بالغ دلالات الأرقام الاحصائیة لحالات العقم بین العاملات، و العجز عن الارضاع لنضوب اللبن، و ضمور الاعضاء المخصصة لوظیفة الأمومة».. [1] .

[1] جريدة الاهرام.